لمت الشمس أذيالها عن تلك الحدائق الناظرة , وطلع القمر من وراء الأفق وسكب عليها نورا لطيفا وأنا جالسة هناك فوق الأعشاب أتامل إنقلاب الجو من حالة إلى حالة وبينما كنت أنظر إلى الأشجار والزهور وقع نظري على زهرة مختلفة عليهن جميعا .جمالها لا يضاهيه جمال الباقي , متفتحة وبراقة من بين كل الزهرات لكن أحسست بشيئ غريب تجاهها فحاولت التقرب منها ولمستها فاقتربت منها وجدتها ناعمة الملمس فأحببت منظرها ورسمت إبتسامة على وجهها فتمنيت في تلك اللحظة لو أن الله خلقني زهرة مثلها لإستطعت فهم لغتها وأصبحت صديقتها ,ولكن فوجئت وأنا أسمع صوتها الرقيق تقاطعه زفرات أنفاسها الملتهبة وهي تقول : من أنت ؟ فأجبتها أنا مخلوقة مثلك ولكننا مختلفتين في الجنس ,فأنا إنسان وأنت نبات , ثم أغمضت عينيها وسادت السكينة وفي تلك اللحظة سمعتها تبكي فرأيت العبرات تنحدر على وجنتيها الحمراوين الجميلتين إنتابني الحزن عليها فسألتها مابك ؟ .. لماذا تبكين ؟ فحدقت في وجهي بعينين ملؤهما الحزن والتعنيف معا وقالت لي : ألا تعلمين ؟ ألا تدركين حجم آلامي التي تسببونها لي أنتم معشر البشرولكل زهرة جميلة في الدنيا ؟ فأجبتها وأنا اشعر أن وجهي تنسحب عنه غمامة رقيقة من الآسى والحزن عليها وقلت : لم أتي إليك لأسبب لك الحزن , فأنا أحب الزهور وأتمنى لو كنت مثلها وأبدا لا يمكنني إيذائها . فقالت لي وهي مبتسمة : أشكرك على طيبة مشاعرك ولكن هذا لا يكفينا نحن معشر الزهور البرية ...ولكن الإنسان رغم حبه لنا مع ذلك يؤذنا .تأملتها وقلت مستغربة شاعرة بالظلم : وكيف ذلك ؟ فقالت أنا زهرة أتفتح بعد شروق الشمس وأذبل بعد غروبها وأبقى على مد السنين اتذكر ما فاتني أعوام وأيام مرت بدون أن أشعر بها لماذا؟
لأني غارقة في جوف حزني الأليم أعيش على زمن مر مهددة بالخطر أواجه فيه الشدائد رغما عني . يقطفونني من باطن الأرض دون شعورهم بالذنب . فأجبتها وأنا حائرة ما عساي أن اقول لأخفف عنها فقلت لها كفكفي الدمع أرجوك وتحلي بالإيمان فالله قادر على كل شيء وحين ذاك سألتها أخبريني أيتها الزهرة ...كيف تدعين هاته العيون الجميلة حزينة طوال الوقت ؟ كيف تدعين الحزن يتغلب عليك ويفقدك منظرك الجذاب ؟ أجبيني هذا ليس عدلا منك إن تصرفك خاطئ , تشجعي ولا تدعي نفسك ضعيفة لأحزانك , وفكري فيما سيأتي وفي مستقبلك ,يامن حدث لهم أكثر منك ولم يحصل لهم ما حصل لك اين هو إيمانك القوي بالله أين هو قلبك الواسع الكبير ؟ يا زهرة توقفي عن تلك الدموع , أرجوك ثم قالت لي : لا أعرف ماذا أقول سوى أن كل الزهور تبدوا في الظاهر جميلة وسعيدة ولكنها عكس ما في الداخل , وأي مستقبل أنتظروالخوف يحرق أحلامي صدقيني لقد إستمتعت كثيرا بكلامك وبنصائحك لكن لا جدوى فمثلا :اليوم تبادلنا الحديث ولكن غدا لانعلم ما سيحدث فربما لن نلتقي مجددا , لم أقل لها شيئا ,سوى أني ودعتها بقبلة مملوءة بكل ما في جوارحي من محبة تجاهها على خدها المحمر من شدة جمالها الساحر وعدت إلى المنزل وأنا على أمل بأني سأراها مجددا .
وفي اليوم التالي عدت لزيارتها وبينما أنا امشي على مهل محاولة معرفة قدر إشتياقي لها ولرؤيتها أحسست بشيئ غريب فأسرعت كالبرق وحينها رأيت الأزهار منحنية وقلت :ما بالكم ؟ قالوا : لقد قضو على حياتها وحياتنا فلن نستطيع العيش من دونها فهي كانت تحمينا ولن يصبح لنا تاريخ من بعدها وقلت :ماذا قطفوا صديقتي ؟ أسرعت إليها ورأيت مكانها خال أحسست وكأن جسدي أنتزع منه قلبي فدنوت من مكانها لأتخيلها من جديد ورأيت ورقة سقطت منها حين إقتطافها حملتها على يدي ولمستها وشعرت بها وبكيت وبكيت من شدة قسوة البشر عليها ..و تلفت يمينا ويسارا لرؤية بقية الأزهار وحينها رأيت أثار أقدام داست عليها وأحسست في تلك اللحظة وكأن قدم الغني تدوس قلب الفقير .
وعدت إلى المنزل والخيبة تملؤني لدرجة لم أستطع حتى رفع رأسي أمام بقية الأزهار وكل ما أزعجني في الأمر ..هو أني لم أستطع مساعدتها وبدأت أنظر تلك الورقة التى أصبحت جزءا من حياتي ورمزا لصداقتنا التى ولدت مع الحزن ولن تموت منه تلك الزهرة البريئة التي لم تفارق صورتها خيالــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي.
بقلم الزهرة البرية.