..نظرت عينيها التي كانت تلسعني بالشرر المتطاير من أعماقها، استطاعت ان تعكس للجميع صورة عن قلبها المشبع بالغيض والبغض..عن شغاف قلبها التي استبدلتها بجدر سميكة من حب الدنيا فحجبت بذلك النور عن روحها التي نأت بها بعيدا بعيدا عن الروضة الربانية، حديث عينيها لم أسمعه وحدي فكل الفتيات الأخريات سمعنه أيضا لذا سارعن الى حال خروجها من الغرفة ليمازحنني قائلات :-لقد كانت تقصدك أنت...فتبسمت في وجوههن والتزمت الصمت، كنت قد اعتدت سماع مثل هذا الحديث الذي كانت تدأب على حشوه بكلمات التهديد والوعيد، وعلى تزينه بكلمات أتحلل به -كالشياطين- ما حرمه الله عزوجل بمكر وخبث ودهاء، إعتدت على كل هذا لكن كلماتها هذه المرة كانت أكثر عنفا وإغراء وجدية، بات التهديد محددا بمكان وزمان، ففي قاعة الدرس هذه وفي أخر حصة دراسية لابد لي من نزع الحجاب إن أردت دخول الصف والإنصات لشرح المدرس وإلا سيكون قرار الطرد من المدرسة بإنتظاري على منضدة صغيرة في غرفة المديرة ومعه الكثير من الإهانات والشتائم.
كم أتساءل بينما هي تهدد وتتوعد عن منبع الطمائنينة التي إنبعثت في نفسي أنذاك -عن هدوء القلب الذي تلق كل تلميحاتها الغاضبة الحانقة بالفرح والسرور، إذ كانت تزف لي نبأ تفوقي على بقية الطالبات، لكن لم العجب والذهول ؟ ألم أروض نفسي لمثل هذا اليوم منذ إستبدلت مدرستنا بمدرس لا بل منذ أفضيت إلى أمي برغبتي بإرتداء الحجاب ؟ لقد كنت أنتظر هذا اليوم وأترقب قدومه، فما العجب أن أعيشه بهدوء وسكينة وراحة بال ؟ وحتى الفتايات اللواتي جئنا إلي بعد خروجها ليسئلنني عما سأفعل، كنت أنتظر قدومهن ولم أستغرب كثيرا عندما رأيتهن يشحن بوجوههن غاضبات عابسات بعد أن أخبرتهن أني لن أتخلى عن حجابي حتى ولو كلفني ذالك شهادة التفوق التي أنتظرها بفارغ الصبر عند نهاية كل عام ...
توقعت أن يشحن بوجوههن عني دون أن ينطقن بكلمة أو بحرف وحضرتني في تلك اللحظات الأية الكريمة : (ويل لكل أفاك أثيم يسمع أيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم ).
حضرتني الأية فكادت تبكيني حزنا وشفقة على اللواتي أزلنهن الشيطان وغرهن بالغرور ...
وسرعان ما مرت الساعات ..وبعد نقاش لم يطل إستطاع المدرس أن يقنع بمقفي وأرغمه إلتزامي بمبادئي إلى بدأ الدرس وما من محجبة سواي، لم تكن قد مرت سوى دقائق معدودة على بدأ الدرس، حتى قذفت بحمم بركان ثائر ... كانت ترمقني شررا وتطلب مني مغادرة الصف، وللحظات ساد صمت كان أشبه ما يكون بصمت أهل القبور وبدى أن كل شيئ قد إنتهى في نظر الجميع، لكن في طريقي لغرفة المديرة غمزتني إحدى المدرسات ضاحكة ثم همست بأذني عند إقترابي منها : ( إنها مسرحية فاشلة ..)وأنتابني شعور بالأنفة والشمم، تمتمت حامدة الله ... وصرخت روحي بكبرياء : -لقد إنتصرت -.